فـي ھـذه الأیـام الـعصیبة مـن تـاریـخ البشـریـّة، الـتي نشھـد فـیھا اجـتیاح وبـاء كـورونـا لـعالـمنا، مخـلقاً
0مـن الـمآسـي مـن مـوت، وعـوز، وتـفاقـم مـعضلات اجـتماعـیة واقـتصادیـة؛ نجـد أنـنا أحـوج مـا نـكون لـبناء إجـماع إنـسانـي فـاعـل وقـوي، لـمواجـھة التحـدیـات والأخـطار الـتي تھـدد البشـریـة ومسـتقبلھا عـلى كـوكـبنا الصغیر ھذا. وانـطلاقـا مـن الـمسؤولـیة الإنـسانـیة والأخـلاقـیة المشـتركـة، نـدعـو نـحن مجـموعـة الـعلماء والـمفكریـن المسـلمین إلـى التشـبیك مـع الـجھود الـمباركـة الـتي تـبذلـھا الـمؤسـسات الـدولـیة والإقـلیمیة والـوطـنیة ً عـلى أداء واجـبھم الإیـمانـي والإنـسانـي والأخـلاقـي والأفـراد فـي مـختلف الـمجالات، لـحث الـناس جـمیعا عـلى أداء واجـبھم الإیـمانـي والإنـسانـي والأخـلاقـي لـمقاومـة ھـذا الـوبـاء الـقاتـل الـذي أثر فـي البشـر ومـنظومـتھم الـحیاتـیّة ، وفـي اقـتصادیـات الـعالـم، بـل وفـي مـعظم الأنـظمة الـحیاتـیة، وأصـاب الـفقراء بـمزیـد مـن الـمعانـاة نـتیجة مـا سـببه مـن انـحسار فـي مـوارد العیش. كـما نـدعـو إلـى تـعزیـز مـا بـادر بـه الأمـیر الـحسن بـن طـلال حـین أطـلق نـداءه بـعنوان "الـتضامـن ویـقظة الـضمیر الإنـسانـي"، وتـفعیل الـجھود لـمأسـسة مشـروع "عـالـمیة الـزكـاة" الـذي دعـا إلـیه سـموه مـنذ سـنوات طـویـلة، فـي سـبیل إنـشاء مـؤسـسة عـالـمیة لـلزكـاة والـتكافـل الإنـسانـي، وبـخاصـة مـع اقـتراب مـوعـد الـمؤتـمر الـدولـي الـذي كـان (مـنتدى الـفكر الـعربـي) یـزمـع عـقده فـي شھـر رمـضان 1441ھـ ّ بـعنوان "عـالـمیّة الـزكـاة- الأبـعاد، والـتماثلات الـمؤ ّسسـیّة"، ضـمن رؤى تـركـز عـلى الأبـواب الـواسـعة لـلزكـاة بـوصـفھا مـن أسـباب الـخیر للبشـریّـة، ولإحـیاء الـمسؤولـیة الإنـسانـیة والأخـلاقـیة، وجـعلھا المحرك الأساس والمعیار الناظم لعملنا جمیعا .
عـلینا فـي ظـل ھـذه الـمرحـلة ومـا سـیترتـب عـلیھا أن نـبحث عـن الإصـلاح مـن دواخـلنا بـالـتفكیر المسـتمر بـتحقیق الأمـن والسـلام الـداخـلي، والحـرص عـلى سـلامـة الـقلوب، وإحـیاء الـوعـي الجـماعـي الـذي یـدفـعنا نـحو تـعزیـز الـقیم الـتي تـعلي مـن كـرامـة الإنـسان، بـصرف الـنظر عـن قـومـیته، وجنسـیته، ولونه، ودینه، وجنسه. نـحن نـواجـه الـیوم تحـدیـا كـبیرا لـلعقل والـوجـود البشـري، فـقد وقـف الـذكـاء البشـري مـرتـبكا أمـام فـیروس ضـئیل. وإن قـوة الـوبـاء وصـرامـته وعـدم تـمییزه بـین ضـحایـاه، كـل ذلـك یـدعـونـا إلـى الـتأكـید عـلى أن الـمعانـاة البشـریـة یـمكن لـھا أن تجـمع بـین الـشعوب أكـثر مـما تـفعله لـغة الـمصالـح والـمكاسـب. ویـنتاب ّكـل واحـد مـنا شـعور بـأن الخـطر الـذي یھـدد البشـریّـة ھـو خـطر واحـد، وھـذا مـا یسـتنھض قـدراتـنا كـل واحـد مـن وتـفكیرنـا فـي الـمعنى الجـمعي لإنـسانـیتنا ضـمن مـكامـن قـوتـھا وضـعفھا، ویـكشف أمـامـنا مـساحـات جدیدة من اللقاء والعمل المشترك.
ان قـیمة الإنـسان تـكمن فـي إنـسانـیته، وھـي ركـیزة جـوھـریـة یـقوم عـلیھا تـضامـن البشـر وتـعاضـدھـم، وتـنتظم حـولـھا المشـتركـات الـقیمیة جـمیعھا. ویـقتضي الإیـمان بـكرامـة الإنـسان وبـحقوقـه الـتفكیر الـجاّد بالتحّدیات التي تواجه البشریة، ویجعلنا نستشعر مسؤولیتنا المشتركة إزاء الأجیال القادمة.
ان ھـذه الأوقـات الـعصیبة ھـي اخـتبار لإنـسانـیة الإنـسان، وتـواضـعه، وحـقیقة الإیـمان وأثـره، وتـعظیم الـشعائـر الـدیـنیة وتـأثـیرھـا، ھـل نـنجح أم نفشـل؟ إنـنا نـحن المسـلمین أصـحاب مشـروع (الـرحـمة لـلعالـمین)، ولا بـد، فـي ھـذا الـصدد، مـن تـفعیل الاجـتھاد الفقھـي حـول الـقضایـا الـمعاصـرة، كـما ھـو الـحال فـي قـضایـا الـزكـاة والـتكافـل الاجـتماعـي، ومـن ذلـك الـعمل الـجاد عـلى إطـلاق مشـروع (الـمؤسـسة َ الـعالـمیّة لـلزكـاة والـتكافـل الإنـسانـي)، إذ يحسن بـمفھوم الـزكـاة أن یـكون مـنطلقا لتجسـید الـرحـمة، الـتي جـعلھا الله عـز وجـل الـغایـة الـرئـیسة مـن إرسـال رسـله لـلعالـمین. وإن إحـیاء ھـذه الـمسؤولـیة ھـو إحـیاء للفطرة السلیمة التي فطر الله الناس علیھا، كما أنھا تمثل دین الله الحق في ثوابته وموجھاته.
ونشـیر ھـنا إلـى فـتوى نـخبة مـن الـعلماء المسـلمین بـجواز تـعجیل الـزكـاة لـعام أو لـعامـین، بـل واسـتحباب الـتعجیل فـیھا وفـاقـا لـحاجـة الـفقراء، وتـفضیل ذلـك عـلى الانـتظار إلـى شھـر رمـضان لإخـراج الـزكـاة، الـتي قـدرھـا ھـؤلاء الـنفر مـن الـعلماء بـما یـزیـد عـلى أربـعمئة مـلیار دولار فـي الـعالـم الإسـلامـي لھـذه الـسنة، وھـو مـبلغ عـظیم، لـو اجـتمع فـي ھـذه الـظروف لإنـقاذ الـفقراء دينهم، وأنـفسھم، وأعـراضـھم، نـظرا لـظروف حـظر الـتجول فـي كـثیر مـن الـبلدان، وإغـلاق كـثیر مـن مـجالات الـعمل والارتـزاق، مـما فاقم حاجة الناس، وضیّق العیش على المحتاجین.
وفـي الـوقـت الـذي نـؤمـن فـیه بـقدرة الـعقل البشـري عـلى الإبـداع والابـتكار ومـواجـھة التحـدیـات، فـإنـنا بـحاجـة لاسـتحضار الـتكامـل الـمعرفـي بـین الـعلوم الـطبیعیة والإنـسانـیة، الـذي مـن شـأنـه أن یسـتوعـب الإشـكالات الـمترتـبة عـلى طـغیان الـمعرفـة البشـریـة، حـین تـبتعد عـن أطـر الـتوازن مـع الـطبیعة. إنـھا َفـرصـة لإظـھار مـدى تـفاعـلنا لإدارة الأزمـة بـشكل مـحترف، وتشا ُركـنا فـي الـعمل لـتحقیق الـنفع الـعام، فـرصـة لإظـھار مـدى تـفاعـلنا لإدارة الأزمـة بـشكل مـحترف، وتـخفیف آثـار الـفقر والـعوز والـحاجـة والـمرض عـن الـناس، وھـنا یظھـر دور التشـبیك والتنسـیق بـین ّالـطاقـات الـھائـلة، ویـبرز واجـب الـتعلم مـن الآخـریـن، والـعمل بـروح واحـدة لإعـادة بـناء الـثقة بـین الـطاقـات الـھائـلة، والتي ظلت مفقودة، أو ضعیفة بین الكبار والصغار، والأغنیاء والفقراء.
ولا بـد لـنا مـن الـتأكـید عـلى دور الإیـمان وتـأثـیره فـي تـقویـة قـدراتـنا البشـریـة عـلى التحـمل والـمثابـرة، ودفـعنا إلـى مـواسـاة الآخـریـن والـتخفیف مـعانـاتـھم وآلامـھم ِ ْـ ُولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين ُ َ ْ ( البقرة: 155.)
إنـنا نـنظر إلـى الإنـسان بـوصـفه جـزءا مـھّما مـن ھـذا الـكون الـذي خـلقه الله، ولـیس كـائـنا مـتجاوزا َ لـنوامـیس الـكون. فـالإنـسان مـؤتـمن عـلى رعـایـة الأرض ومـا عـلیھا مـن كـائـنات َـة َ َانا عرضنا الأمانة على السموات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان " (الأحزاب:72.)
إنـنا نـنادي بـتحقیق الـمصالـحة بـین الإنـسان ونـفسھ، وبـین الإنـسان والإنـسان، وبـین الإنـسان والـطبیعة، من خلال تعمیق الشعور بمسؤولیة الإنسان تجاه البیئة وحمایتھا، والتقلیل من التلوث بأنواعه، ومن سـائـر أنـواع الـتعّدیـات، ھـذا فـضلا عـن تـرشـید اسـتخدام الـموارد الـطبیعیة، وصـون الـركـاز، والـعمل عـلى تـحقیق الـتوازن والانـسجام بـین مـتطلبات الـمدنـیة الـمعاصـرة والـحفاظ عـلى الـحیاة الـطبیعة، وتــعزیــز الــمسؤولــیة الــمؤسســیة لــلعمل عــلى زیــادة الإنــفاق عــلى الــبحث الــعلمي فــي مــجتمعاتــنا المعاصرة.
وكـم ھـي اللحـظة الـحالـیّة مـواتـیة لإبـراز الـعمق الإنـسانـي لـلدیـن، ولإنـتاج خـطاب حـضار ّي یـرتـكز عـلى الـقیم الإنـسانـیّة المشـتركـة. فـعلى الإنـسانـیّة بـأسـرھـا ان تتحدد وتـنسق جـھودھـا ومـعارفـھا للخـروج مـن ھذه الفاجعة العالمیة، التي تواجه الجمیع من دون تمییز بین أعراقھم أو ألوانھم أو معتقداتھم.
إن البشـر جـمیعھا ھـم أبـناء حـضارة إنـسانـیة واحـدة، مـھما اخـتلفت ثـقافـاتـھم وأعـراقـھم، ومـا یجـمع البشـریـة مـن أواصـر وصـلا ٍت أكـثر بـكثیر مـما یـفرقـھا. "يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء"(النساء:1) ولا بـد لـنا مـن اسـتشعار الـمسؤولـیة الأخـلاقـیة عـن الـكوارث الـتي یـقترفـھا الإنـسان، أو الـتي تـصنعھا الـطبیعة، بـأثـر الـفعل البشـر ّي واخـتلال سـلوكـه، كـما یشـیر الـى ذلـك الـقرآن الـكریـم فـي قـولـھ تـعالـى: " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون"
الله من وراء القصد.
المو ّقعون: 1 .الحسن بن طلال – رئيس منتدى الفكر العربي
2 .عبد الله غول – رئيس جمهورية تركيا السابق
3 .الاتـحاد الـعالـي لـعلماء المسـلمين والـذي يـضم عـلماء مـن كـافـة دول الـعالـم؛ عـنهم رئـيس الاتـحاد الاسـتاذ الـدكـتور الـشيخ أحـمد عـبد السـلام الـريـسونـي، والامـين العام الاستاذ الدكتور علي محي الدين القرة داغي.
4 .مجـلس الـعلماء الأندونـيسي والـذي يـضم الــعديــد مــن الــهيئات والمجــموعــات الاسـلامـية والـعلماء فـي أنـدونـيسا؛ عـنهم الامـين الـعام الاسـتاذ الـدكـتور أنـور عباس.
5 .أرشد هورمزلو – مستشار الرئيس التركي السابق
6 .خليل الخليل – عضو مجلس الشورى السابق، المملكة العربية السعودية
7 .شـيخ الاسـلام "الله شـكر" بـاشـازاده – رئـيس إدراة مسـلمين الـقوقـاز، الامـين العام لمركز باكو للتعاون بين الاديان والحضارات، أذريبجان
8 .العلامة عبد الله العزي – الجمهورية اليمنية
9 .الشيخ عكرمة صبري – خطيب المسجد الاقصى البمارك، القدس
10 .الاستاذ الدكتور هشام قريسه – رئيس جامعة الزيتونه، تونس
11 .الشيخ عبد الكريم الخصاونة – مفتي الملكة الردنية الهاشمية
12 .الامــام يـحيى بـالفــاتـشيني – رئـيس جـمعية مسـلمي إيــطالــيا وســفير مـنظمة الـعالـم الاسلامي لــلتربـية والـعلوم والـثقافـة (الايـسيسكو) لــلحوار بـين الحضارات وعضو المجلس الاوروبي للقادة الدينيين.
3 .الاستاذ الدكتور محمد عبد الحليم – جامعة لندن
14 .الاستاذة الدكتورة عزة كرم – جامعة VRIJE ، امستردام/هولندا
15 .الامام عز الدين الزير – إمام فلورنسا، ايطاليا
16 .الدكتور سيد ظفر محمود – رئيس مؤسسة الزكاة – الهند
17 .الــدكـ تور محـمد حسـنـي الـزغــبي – رئـيس اتـحاد الـمؤسـسات الاســلامــية فـي البرازيل
18 .مــؤســسة بــازنــاز لــلزكــاة عــنهم رئـيس الـمـؤســسة الاســتاذ الــدكـتور بــامــبانــغ سوديبيو ونائب الرئيس الدكتور زين البحار نور
19 .الدكتور محمد أبو حمور – أمين عام منتدى الفكر العربي